الجمعة، 8 مارس 2013

الروم والفرس


كانت دولتا الفرس والروم تقسمان السيطرة على معظم العالم المأهول ووقتئذ وكانتا ككل قوتين عظيمتين متجاورتين كثيرتي الاحتكاك بعضهما ببعض .
وفي أثناء ظهور الإسلام بينما كان محمد صلى الله عليه وسلم يجاهد أهل مكة بحجته وبيانه وهم يتمادون في إيذائه كانت الظروف تمهد له الطريق خارج بلاده فقد أخذت هاتان القوتان العظيمتان تتطاحنان .
هنا تظهر قوة الإيمان وقصر حجة الإنسان مهما كان لديه من منطق وقوة استدلال أمام المستقبل الذي لا يعلمه إلا خالق الأكوان ولا يمكن أن يتنبأ به كائن من كان، وإذا قال الخالق كلمته وخالقته ولو إلى حين ظواهر الأحوال السائقة إلى ما ينتظر من نتائج وآمال كذبت في النهاية وصدقت كلمة الله إذ هو الأول والآجر والظاهر والباطن ذو الجلال و الإكرام .
 حارب الفرس الروم فتداعت الإمبراطورية الرومانية وسقطت ممتلكاتها كما تسقط الأوراق الذابلة في الخريف .
 وصل الفرس إلى شواطئ البوسفور وهددوا القسطنطينية من الشرق، وليت الأمر اقتصر على هذا فقد هاجمتها قبائل الهمج من الغرب فوصلوا إلى أبوابها وأصبحت الإمبراطورية الرومانية لا تتعدى أسوار القسطنطينية وأفلست الخزائن وأصبحت خاوية وفكر الإمبراطور في الهرب .
أنظر إلى بتلر وهو يقول في فتح مصر : " كان أول شيء فعله هرقل أن يبعث إلى كسرى يتوسل إليه أن يصالحه فما كان نصيبه من ذلك إلا الدفع. الرفض بازدراء . وقد عزم هرقل على أن ينضو التاج ويعود إلى موطنه في أفريقيا ".
ويقول عن قبائل الآفار " إنها كانت تجوس خلال الديار في عامي 622، 623 م تخرب فيها و كادوا يوقعون بهرقل نفسه ثم يأخذون العاصمة بمكيدة دنيئة دبرها ".
دولة مهدمة ضعيفة فقيرة مفلسة وقلوب محطمة يملؤها اليأس تطلب الصلح و ترجوه ولكنه يؤبى عليها وتؤذى في كرامتها ويطلب منها تغيير دينها.
أي قوة بشرية مهما كانت كان في وسعها أن تقول إن هذه الدولة المحطمة ستنصر بغير جيش وبغير مال والهزيمة تأتيها من كل مكان ؟ . لو قيل هذا بشر لظن الناس أن به خبلاً .
 " ألم . غلبت الروم في أدنا الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون . في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون . بنصر الله من يشأ وهو العزيز الرحيم . وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون " الروم .
ولكن هذا ما قاله عالم الغيب حينما قهرت الروم وظهرت فارس ولكن قريشاً كذبته ولم يكن لأحد أن يلومهم لأن هذا كان فوق متناول الطاقة البشرية .كذبوا وفرحوا . إذ هم عبدة النار وهم في الدين إخوان والنصارى والمسلمون كلاهما على حق ولكنهم لم يعلموا أن كلمة الله على الرغم مما يرون لا مبدل لها .
تحمس الفريقان حتى وصلت بهم الحالة إلى الرهان. فهذا أبو بكر يجزم بان الروم لابد منتصرون، وهذا أبي بن خلف يكذبه ويتمارى في تكذيبه. ولم يكن مع أبي بكر من دليل غير الإيمان بكلمة الله ، إذ كانت كل ظواهر الأحوال تقف ضده وتحاربه .
ترهنا على مائة قلوص بأجل يمتد بضع سنين من ثلاث إلى تسع، معجزة لم تدر بخلد البشر، فلابد أن تتحقق كلمة الله وتتحقق بصورة رائعة يدهش لها الجميع .
تتحقق فجأة وبلا مقدمات. إن ذلك الميت قد دبت فيه الروح وسرت وبلا مقدمات. إن ذلك المفلس قد تلمّس المال فلم يجده إلا في ذهب أواني الكنائس فضحى بها وهي عزيزة على النفس ثم سار بجيشه الذي حطمته الأيام فاسترجع أملاكه ودخل فارس وفتحها واسترجع الصليب الأعظم، شيء عجيب بلا مراء، ولكن متى فعل هذا ؟ أفي الموعد الذي حدده القرآن ؟ نعم و ألف نعم .
نعم ، فلقد ربح أبو بكر المائة قلوص وتصدق بها. ففي بحر التسع سنين هزمت الفرس هزيمة منكرة وتكللت أعمال الحرب بفتح ( دستجر ) وهي مدينة على ثمانين ميلاً من المدائن وذلك في فبراير سنة 628م وفر كسرى هارباً ثم قتله بعد أيام من ذلك، وفي هذا يقول بتلر: ( وانتهى القتال إلى صلح بين الروم والفرس، وهكذا انتهت الحرب الصليبية الكبرى بنصر عجيب قلًّ مثله في التاريخ بما يثيره في النفوس

الروم والفرس


تحليل نوعي وكمّي
لغزوات النبي صلى الله عليه وسلم 
بلغ عدد العمليات الحربية في عصر النبوة أكثر من ستين عملية ما بين غزوة وسرية، وقاد الرسول القائد صلى الله عليه وسلم بنفسه من هذه العمليات ثماني وعشرين غزوة..
وإذا تناولنا هذه الغزوات بالتحليل الإحصائي، من حيث النوع والكمية والتوزيع الزمني، فسوف تتكشف لنا عدة مبادئ في القيادة الحربية في غاية الفائدة للأمة الإسلامية، وتعد من أبرز خصائص العسكرية الإسلامية..
أولاً- تحليل التوزيع الزمني والكمي:
ولعل أول ما يسترعي الانتباه، التوزيع الزمني للغزوات خلال الفترة التي دار فيها الصراع المسلح بين المسلمين وأعدائهم في عصر النبوة، والتي امتدت سبع سنوات تقريباً من السنة الثانية إلى السنة التاسعة للهجرة (من صفر سنة 2 هـ، إلى رجب سنة 9 هـ) حيث يتضح التوزيع كما يلي:
عدد الغزوات في السنة الثانية للهجرة: 8
عدد الغزوات في السنة الثالثة للهجرة: 4
عدد الغزوات في السنة الرابعة للهجرة: 3
عدد الغزوات في السنة الخامسة للهجرة: 4
عدد الغزوات في السنة السادسة للهجرة: 3
عدد الغزوات في السنة السابعة للهجرة: 2
عدد الغزوات في السنة الثامنة للهجرة: 3
عدد الغزوات في السنة التاسعة للهجرة: 1
ومن ذلك نلاحظ ما يلي:
(1)      أن الرسول القائد صلى الله عليه وسلم حرص على مباشرة القيادة بنفسه طوال فترة الصراع كلها. (من السنة الثانية إلى السنة التاسعة للهجرة) وفي كل سنة من سنواتها بلا استثناء، مع إتاحة الفرصة –في الوقت نفسه- لأصحابه أن يتولوا قيادة الأعمال الحربية المختلفة تحت إشرافه وتوجيهه بصفته القائد الأعلى، وهذه العمليات تسمى بالسرايا التي بلغ عددها خلال نفس الفترة أكثر من ثلاثين سرية.
(2)     أن الرسول صلى الله عليه وسلم قاد في السنة الثانية للهجرة –وهي أول سنوات الصراع- أكبر عدد من العلميات الحربية، وهو ثماني غزوات بينما لم يزد عدد العمليات التي قادها في كل سنة بعد ذلك عن ثلاث أو أربع عمليات في المتوسط. هذا التركيز في قيادة عمليات أولى سنوات الصراع له دلالاته التي لا تفوت القائد المحنك الخبير بفن الحرب، ويعد في نظر العلم العسكري والاستراتيجية الحربية من علامات القيادة الحربية الفذة.
فهو يتيح للقائد –في بداية الصراع وقبل تصاعده- الفرصة لدراسة مسرح العلميات دراسة شخصية من الناحية "الطبوغرافية" (مثل طبيعة الأرض والطرق وموارد المياه والتضاريس.. الخ) ومن الناحية "الديموغرافية" (وهي الأهداف التي تسبب للعدو من الأضرار ما يؤدي إلى إحداث تغييرات حادة في الموقفين العسكري والسياسي ويؤثر تأثيراً بالغاً على تطور الصراع المسلح عامة).
ويتيح للقائد كذلك الفرصة لدراسة عدوه عن طريق الاحتكاك المباشر، وتقييم كفاءته القتالية مادياً ومعنوياً، ودراسة أساليبه في القتال، وأسلحته التي يستخدمها، وكل ذلك يكسب القائد ما يسمى "بالخبرة القتالية".
هذه الدراسة الشخصية الشاملة تمكن القائد من التخطيط السليم لجميع العمليات الحربية المقبلة، كما تمكنه من إدارة المعارك بكفاية تامة، ومن توجيه المقاتلين إلى ما يحقق لهم النصر على أعدائهم.
ونتيجة لذلك تنمو لدى القائد ثقته بنفسه وبكفاءاته وقدراته، كما تنمو لدى سائر أفراد الجيش ثقتهم بأنفسهم وقائدهم، فيواجهون تحديات الصراع المقبلة واثقين من النصر.
ونلاحظ أيضاً من تحليلنا لهذا التوزيع الكمي والزمني للغزوات: أنه يكشف عن مبدأ من أهم مبادئ إعداد القادة العسكريين لتولي القيادة، وهو أن يتولى قادة المستقبل قيادة الوحدات الفرعية للجيش تحت قيادة القائد العام، وهذا الأسلوب يفيد القدة من عدة نواح نذكر منها:
Ø  مباشرة القيادة عملياً تحت إشراف القائد الأكبر، والإفادة من ملاحظاته وتوجيهاته.
Ø  إتاحة الفرصة لهم لملاحظة أسلوب القائد "المعلم" في القيادة الحربية من حيث التخطيط للمعركة وإدارتها، وتصرفه في مواقفها المختلفة، وهي فرصة ممتازة للتعليم على الطبيعة واكتساب الخبرة القتالية في الوقت نفسه.
Ø  تدريب قادة المستقبل على فن التفكير واستخدام العقل والتعبير عن الرأي وذلك من خلال اشتراكهم مع القائد الأكبر في مرحلة التخطيط للمعارك، ويدخل ذلك في نطاق مبدأ الشورى الذي أمر به الإسلام وطبّقه القئاد صلى الله عليه وسلم خير ما يكون التطبيق حتى قال عنه أبو هريرة رضي الله عنه: "ما رأيت أحداً قط كان أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله صلى الله عليه وسلم". وقد استشار الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه في كافة غزواته، ففي غزوة بدر مثلاً استشارهم في مبدأ دخول المعركة ضد قريش، واستقر الرأي على قبول المعركة، وعندما وصل جيش المسلمين إلى مكان المعركة نزل الرسول عليه الصلاة والسلام على رأي الحباب بن المنذر الذي أشار بأن ينتقل الجيش إلى مكان آخر أفضل من الأول، لأنه قريب من ماء بدر ويتحكم فيها. وفي غزوة أحد استشار عليه الصلاة والسلام أصحابه في مبدأ البقاء في المدينة ولقاء قريش فيها، أو لقائهم خارجها، فاستقر الرأي على الخروج، واستجاب صلى الله عليه وسلم لذلك الرأي وقال لهم: "لكم النصر ما صبرتم".
Ø ثم إن هذا الأسلوب بقيد قادة المستقبل من حديث أنه يكسبهم القدرة على إصدار القرارات السليمة، وفي وقتها المناسب، مما يعد من أهم خصائص القيادة الناجحة، ذلك لأن مشاركتهم في مرحلة التخطيط تتيح لهم معرفة واسعة بفكر القائد ونواياه وأهدافه، وإحاطة وافية بجوانب الموضوعات، والقضايا تمكنهم من اتخاذ القرارات السليمة في المواقف التي يواجهونها في المستقبل بهدي تفكيرهم وحده، ودون حاجة إلى الرجوع إلى القيادة العليا، وخاصة في المواقف المفاجئة أو التي لا تحتمل التأخير.
ثانياً: التحليل النوعي للغزوات:
وإذا تناولنا الغزوات بالتحليل من حيث النوع أو الطابع، فسوف تتكشف لنا جوانب أخرى في القيادة الحربية، وفي إعداد القادة وتدريبهم.
فقد احتوت الغزوات على شتى صور وأشكال العمليات الحربية كما يلي:
عمليات الإغارة ودوريات القتال والردع والتأثير المعنوي مثل:
ü  غزوة ودان 
ü   بواط 
ü  العشيرة 
ü  بدر الأولى 
ü  بني سليم
ü  ذي أمر
ü  بحران
ü   ذات الرقاع 
ü  بدر الآخرة
ü  دومة الجندل
ü  بني المصطلق 
ü  بني لحيان
ü  الحديبية
ü  عمرة القضاء.
v  العمليات الدفاعية مثل: غزوة بدر الكبرى – أحد – الخندق.
v   العمليات الهجومية مثل: غزوة فتح مكة – غزوة حنين – تبوك.
v    عمليات المطاردة مثل: غزوة السويق – حمراء الأسد – ذي قرد.
v    عمليات الحصار والقتال في القرى الحصينة مثل: غزوة بني قينقاع – بني النضير – بني قريظة – خيبر – الطائف.
ومن هذا التحليل نستخلص أن جيش الإسلام الأول (قادة وجنداً) قد تعلموا ومارسوا عملياً كل أشكال العمليات الحربية تحت قيادة القائد المعلم الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنهم اكتسبوا بذلك خبرة قتالية فائقة.
كما نستخلص أنهم اكتسبوا خبرة حربية في مواجهة التنظيمات الحربية والنظريات القتالية المختلفة، فهم قد حاربوا المشركين من العرب الذي كانوا يقاتلون بأسلوب الكر والفر، وحاربوا اليهود الذين كانوا يحاربون "من وراء جدر" ومن داخل حصونهم وقراهم المحصنة.
فإذا ما أضفنا إلى ذلك المعارك التي دارت في مواجهة الروم في عصر النبوة "مؤتة وتبوك" يكون جيش الإسلام قد اكتسب الخبرة القتالية في مواجهة الجيوش المنظمة، بالإضافة إلى خبرته في قتال الجيوش غير المنظمة (قريش والقبائل العربية الأخرى).
وبعد، فإنه يبقى لنا من هذا التحليل درس عظيم، وهو أن نمط "القائد المعلم" هو النمط الذي يدعو إليه الإسلام والذي لا يرتضي عنه القائد المسلم بديلاً، وأن القائد في الإسلام "صاحب مدرسة ورسالة" يدرك تماماً أن قيامه بإعداد أجيال من القادة من أسمى واجباته لها، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة، قال تعالى: )لقد كانَ لكم في رسولِ الله أسوة حسنة( صدق الله العظيم.
اللواء الركن محمد جمال الدين محفوظ

التين



روى أبو الدرداء أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : " لو قُلت إنَّ فاكهة نزلت من الجَنَّة قلت التين، لأنَّ فاكهة ًفاكهة الجنَّة بلا عجمٍ ـ كلوا منه فإنه يقطع البواسير، وينفع النقرس  ".
الأثر الطبي  :
التين عالي القيمة الغذائية، وخاصة لاحتوائه على السكريات الأحادية، والعناصر المعدنية، والفيتامينات . وشاع استخدامه في علاج الإمساك، ومغلي أوراقه يستخدم عند العرب أو البدو في علاج اضطراب الحيض، كما أن المحفوظ منه يعمل على إدرار اللبن . أما كونه يقطع البواسير فيرجع ذلك إلى كونه مسهلاً و قابضاً، وأما ما يخص علاج النقرس، وهو ترسُّب أملاح حمض اليورك في المفاصل، والنقرس يُسمى بداء الملوك لأنه أحد مسبباته الإفراط في أكل اللحوم الحمراء، والذي يؤدي إلى خلل في تمثيل الأحماض النووية، أي : أحماض نوى الخلايا، فقد ثبت أن التين له علاقة بالإنزيم الخاص بتحويل الزانسين إلى اليوريك أسيد فالإنزيم بدل ما يسمح له يسير في اتجاه واحد، يسير في اتجاهين فيكون الاتزان، ولذلك فالأدوية التي تعطى من الخارج تثبط الإنزيم، لكن تثبطه جزئياً، لكن التين ينظم عمل الأنزيم ، ذلك أن النقرس هو عبارة عن خطأ في التمثيل الغذائي .

تكوين النبات





أنزل الله سبحانه وتعالى الماء فأنبت لنا به النبات .
وبعد الإنبات ينمو النبات ويزداد .
وباليخضور ( الكلوروفيل ) ـ وهو المادة الخضراء في النباتات الشائعة ـ يثبت النبات الأخضر الطاقة الضوئية ويحولها إلى طاقة كيماوية مخزنة داخل النبات .
وبالنبات الضوئي تتغذى معظم النباتات وتعطي السيقان، والجذور، والأزهار والثمار ( وهذه العلمية تبدو بسيطة ظاهريا فعندما تشرق الشمس على الأوراق الخضراء يتحول ثاني أوكسيد الكربون والماء إلى سكر أو كربوإيدرات مكافئ  واكسيجين خالص ولكن هذه العلمية لا تتم بهذه البساطة. وقد كان التمثيل الضوئي محلاً لدراسة مستفيضة يشتمل قرناً من الزمان تقريباً. وبالرغم من ذلك فإن تفاصيل العمليات الكيماوية التي يشتمل عليها بدأت تنضح مؤخراً. والعامل الرئيسي للتمثيل الضوئي هو اليخضور هذا الجزيئ المعقد المدهش الذي يقوم بدور أساسي في جهاز إنزيمي معقد للغاية ومترابط بشكل بديع ) .
وبالجذور ... والسيقان ... والأزهار .. والثمار نفرق بين النباتات الخضراء .
وبالدراسة والبحث والجهد والعمل تثبت الآيات .
قال تعالى: وَهُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُّتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انظُرُواْ إِلِى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (99) سورة الأنعام
إن هذه الآية الكريمة ـ إلى جانب كونها من دلائل عظمته سبحانه وتعالى ـ لتتضمن إعجازاً قرآنياً ـ فهي منهج متكامل الكلية للنبات والزراعة، و يظل المرء يتعلم منها طوال الحياة ثم يموت ولا يصل إلى سر هذه الآية وحدها، فهي تشرح المراحل المختلفة في حياة المملكة النباتية، فعند نزول الماء على الأرض يحدث فيها عديد من التغيرات الفيزيقية والكيماوية مما يؤدي إلى أنبات الجراثيم والبذور والدرنات والسيقان الأرضية كله ( أخرجنا به نبات كل شيء ) كل ما ينبت وما هو منتسب إلى النبات سواء كان بذوراً، أو جراثيم أو حويصلات، وأية تراكيب أخرى تنتظر سواء كان بذوراً، أو جراثيم أو حويصلات، وأية تراكيب أخرى تنتظر نزول الماء وكل هذا يحدث في الحال وبالتتابع دون أن يظهر اللون الأخضر سواء كان النبات متميزاً باليخضور أو بدونه ( نبات كل شيء ) وبدون الحاجة إلى عملية البناء الضوئي، لأن معظم هذه التراكيب والعضيات بها مخزون من الغذاء يغنيها عن التمثيل الضوئي لدرجة أن البذور يمكن أن تنبت مدة طويلة بعيداً عن الضوء وفي غياب اللون الأخضر ولكن لا إنبات بدون ماء حتى ولو توفرت جميع الشروط اللازمة للإنبات ( الحرارية ـ الأكسوجين ـ الحيوية ـ نضج البذور ـ تمضية فترة سكون ـ توافر الغذاء ـ وجود العائل .... الخ).
كل شيء ينبت بعد المطر البكتريا ـ الفطريات الطحالب ـ الأرشيحونيات ـ النباتات الزهرية حتى جراثيم وحويصلات بعض الديدان والحيوانات ثم بعد ذلك ( فأخرجنا منه خضراً ) ظهرت البادرة الخضراء وتكشفت الأوراق والبراعم واستمر الإمداد بالغذاء وتحث أعجب عملية في الكون وهي عملية البناء الضوئي التي لولاها ما كانت على الأرض حياة ( حيث تشرق الشمس صباحاً ويأتي الظهر فتصبح الأرض ساخنة لدرجة عالية قاتلة وإذا أتى الليل ذهبت الحرارة وبردت الأرض ). لولا النبات وخضرته لملأ ثاني أكسيد الكربون الجو واختلت نسبة الأوكسجين في الكون واختفت الحياة تماماً من على الأرض أنظر إلى كلمة (خضراً) التي هي إشارة رائعة إلى اليخضور و ما هي من الإعجاز العلمي في القرآن الكريم . وبعد تكوين الخضر تبدأ مرحلة النمو الخضري للنبات بتكون حاملات الأصباغ والبلاستيدات الخضراء، وهذا الاخضرار يترتب عليه عملية التمثيل الضوئي، فيأخذ النبات الماء وثاني أكسيد الكربون يترتب عليه عملية التمثيل الضوئي، فيأخذ النبات الماء وثاني أكسيد الكربون والطاقة الضوئية ليعطي نباتا كاملاً (الطور الخضري) الذي يبدأ في تكشف براعم الأزهار وتكوين هرمون الإزهار وخروج النورات التي تعطي الحبوب المتراكبة ـ وعلميات التصنيف الزهري لا يستطيعون الحكم القطعي على نبات زهري جديد ( نوعه ـ جنسه ـ اسمه ) إلا إذا مر بمراحل الإنبات والإخضرار والإزهار والإثمار .
انظر إلى الآية تقول : ( منه خضراً ) وهي تعني أن بعض النباتات بدون يخضور والبعض ينشأ فيها اليخضور بعد ذلك . ( قال المفسرون فيها الحب المتراكب هو ما ينتج من نورات القمح والشعير والأرز وهي من النباتات النجيلية التي تعطي نورات ( سنابل ) بها عديد من الأزهار التي تعطي بعد ذلك الحب المتراكب المذكور.
ويضع علماء النبات الأزهار المركبة في عائلة تمسى العائلة المراكبة، ويقولون إن هذه من أفضل الأزهار وأعلاها درجة، لأن الحشرة الواحدة تزور العديد من الأزهار في وقت واحد وهذا يكون واضحاً في زهرة الشمس وقرصها الملئ بالأزهار والتي تعطي البذور في مجموعات متراصة عجيبة الترتيب والتنظيم .
 ثم ذكر الآية بعد ذلك شجرة من أفضل الأشجار، شجرة من الجنة، هي النخلة فهي من النباتات عظيمة الفائدة وقد يزرع الكثير منه للزينة وهو ذو أوراق تشبه السمكة مثل جوز الهند، ومنها ما هو رمحي الأوراق لأن أوراقه تشبه راحة اليد، وبعضها له ساق سميكة وآخر له ساق رفيعة .
كتب قيصر الروم إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه : أما بعد فإن رسلي أخبرتني أن قبلكم شجرة تخرج مثل أذن الفيلة، ثم تنشق عن مثل الدر الأبيض ثم تخضر كالزمرد الأخضر، ثم تحمر فتكون كالياقوت الأحمر، ثم تنضج فتكون كأطيب فالوذج أكل، ثم تينع وتيبس فتكون عصمةً للمقيم وزاداً للمسافر، فإن تكن رسلي صدقت فإنها من شجر الجنة .
فكتب إليه عمر :
بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى قيصر الروم السلام على من أتبع الهدى، أما بعد، فإن رسلك قد صدقتك وإنها الشجرة التي أنبتها الله ـ عز وجل ـ على مريم حين نفست بعيسى، فاتق الله ولا تتخذ عيسى إلها من دون الله .
ثم يذكر بعد ذلك الرمان والزيتون، ويقول المفسرون متشابها في الورق مختلفاً في الثمر، وفعلاً الزيتون والرمان لهما أوراق بسيطة رمحية الشكل متقابلة، وأشجار الزيتون تعمر أكثر من ألفي سنة وتعطي الزيتون الذي يؤخذ منه زيت الزيتون ويؤكل مخللاً .

شجرة النّخيل



كانت زراعة نخيل التمر معروفة منذ سبعة آلاف سنةٍ عند الحضارات التّي قامت في ما بين النّهرين وفي الجزيرة العربية وما جاورها. فالباحثون يُحدّدون مسقط رأس النّخلة بالمنطقة الواقعة بين ما بين النّهرين أثناء الحضارة البابلية وشرقي الجزيرة العربية بما في ذلك البحرين، وعلى وجه الخصوص في جزيرةٍ صغيرةٍ، عُرِفَت بإسم "هارفان" أو "خارقان".
منذ ذلك التّاريخ الغابر وحتّى اليوم، كانت النّخلة حاضرةً، لا في البساتين وحسب، بل في ثقافات الشّعوب واقتصاديّاتها. والشّواهد على ذلك عديدة منها العملات الفينيقيّة والإغريقيّة التّي وُجِدَت على السّاحل الشّرقي للمتوسّط وعليها نقوش لصورة النّخلة، كما وُجِدَت في إحدى مقابر السقارة بمصر مومياء فرعونيّة في مقبرة الزّريقات ملفوفة بحصيرٍ من سُعُف النّخيل.
ومن بلاد ما بين النّهرين وصلتنا آثار المعابد والقصور التّي شكّل النخيل جزءًا رئيسًا منها، إضافةً إلى التّيجان المَلَكيّة التّي حملت نقش النّخلة. إلاّ أنّ أهمّ ما وصلنا في هذا المجال مجموعة قوانين "شريعة حمورابي" التّي تضمّنت موادًا تتعلّق بشراء النّخيل وبيعه وتلقيحه، إضافةً إلى مادّةٍ عقابيةٍ تقضي بتغريم من يقتلع نخلة.
المناطق الجغرافيّة الصّالحة لزراعة نخيل التمر في مناطقنا تمتدّ من باكستان شرقًا إلى إيران والجزيرة العربيّة وبلاد الشّام والعراق وموريتانيا غربًا.
في العالم اليوم أكثر من مئة مليون نخلة تنتج حوالي ثلاثة ملايين طُن من التّمور.
أهمّ غابات النّخيل وواحاته في العالم وأجود أنواعه تتوزّع بين العراق حيث توجد حوالي ثلاثين مليون نخلة، والمملكة العربيّة السّعوديّة وفيها 23 مليون نخلة. وهذا ما يُؤكّد أنّ النّخلة كانت -وما تزال- عربيّة الهويّة.

ملكة الـنمل





قال تعالى : وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17) حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (18) فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ (19) . سورة النمل
تقرر هاتان الآيتان الكريمتان أن نملة تكلمت لكي تحذر جماعتها من خطر قد يدهمها ن وفي ذلك دليل على أن النمل القائمة على التفاهم فيما بينها، شأنها في ذلك شأن سائر الكائنات الحية التي قال الله تعالى عنها : ( وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (38)  سورة الأنعام
ولا تكون هذه المخلوقات أمما إلا إذا كانت لها روابط معينة تحيا بها ووسائل خاصة للتفاهم فيما بينها، وهو ما كشف عنه العلم في حياة أنواع كثيرة من الطيور والحشرات والحيوان . وإذا كان النبي سليمان ـ عليه السلام ـ قد وهبه الله معجزة تخالف مألوف البشر، وهي معرفة لغة الطير وحديث النمل، فإن العلماء قد اجتهدوا لإدراك شيء من لغات الكائنات الحية ووسائل التفاهم بينها مستخدمين في ذلك تقنيات خاصة حديثة لتسجيل الموجات الصوتية وتحويلها إلى رسم بياني منظور على أجهزة خاصة لتسجيل الذبذبات وقياس الفروق بين الأصوات التي لا نستطيع الأذن الآدمية تمييزها . وفي هذا الصدد يقرر علماء الحشرات أن النمل يتميز بذكاء خارق يدل عليه قيامه بعملية فلق الحبوب قبل تخزينها في مخازن لكيلا تنبت، والحبوب التي لا يستطيع النمل فلقها فإنه يعتمد إلى نشرها في الشمس بصفة دورية ومنظمة حتى لا يصيبها البلل أو الرطوبة فتنبت .
ولقد أوضحت أجهزة الفحص الإلكترونية ونتائج الدراسات التشريحية لجسم النملة أنها تمتاز بوجود مخ صغير يقل عن المليمتر ( لا يرى إلا تحت المجهر ) ويتكون من فصين رئيسين مثل مخ الإنسان، ومن مراكز عصبية وخلايا حساسية وهو يوافق الآية القرآنية في بعض معانيها التي أشارت إلى أن النمل قد توقعت أن يصيبها الخطر قومها من سليمان وجنوده ففكرت واهتدت من خلال متابعتها تقدم جيش سيدنا وملاحظة اتجاه حركته حتى بات واضحا انه سيمر في طرقه على " وادي النمل "، وأرسلت صيحة تحذير بلغتها الخاصة التي يفهمها النمل وأدرك سليمان ما قالته وانشرح صدره كما ينشرح صدر المرء أمام كل طريف وعجيب .
ومملكة النمل ـ مثل مملكة النحل ـ دقيقة التنظيم تتنوع فيها الوظائف وتؤدى جميعها بإتقان رائع يعجز البشر غالباً عن إتباع مثله، بالرغم مما أوتوا من عقل راق وإدراك عال . والنمل من رتبة الحشرات غشائية الأجنحة، وينقسم أفراد مملكة النمل إلى ثلاثة أنواع : الملكة التي تضع البيض، والإناث العقيمات أو الشغالات، ثم الذكور التي يقوم فرد واحد منها بتلقيح أنثى عذراء مرة واحدة في حياته .
وتشترك الأنواع الثلاثة من النمل من حيث التركيب في ذلك الخصر الرفيع الذي يفصل بين البطن الذي يحتوي على أجهزة النمل الحيوية . وبين الصدر الذي يضم العضلات القوية التي ترحك ستة أرجل نشطة، وينتهي الصدر برأس كبير بالنسبة لحجم باقي الجسم يحلم عينين كبيرتين وقرني استشعار دائمي الحركة يعتمد عليها النمل اعتمادا كبيراً في حياته نظراً لضعف نظهره الشديد، بالإضافة إلى هذين الفكين الرهيبين الصورة اللذين يستطيع " نمل الحصان " أن يرفع بهما 52 ضعف وزنه، وهو ما يوازي قدرة الإنسان على رفع أربعة أطنان بأسنانه . و " نمل الحصان " هذا ما هو إلا نوع من خمسة عشرة ألف من أنواع النمل متعددة الألوان والأشكال تعيش في كل بقاع الأرض وهناك أيضاً النمل الأبيض الذي تضرب جنوده برؤوسها الكبيرة جدران الأنفاق إذا شعرت بهجوم على عشها أو أي خطر يتهددها فيفهم ذلك باقي أفراد النوع وتقوم بعمل اللازم نحو حماية نفسها من الخطر المحدق بها . ويرى بعض العلماء أن النمل الأبيض هو دابة الأرض التي أكلت عصا سليمان المشار إليها في قوله تعالى : ( فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ (14) سورة سبأ .
والنمل يقيم وادياً له على هيئة مستعمرات تغطي مساحات كبيرة تبلغ ما بين خمسين ومائة ياردة أو أكثر، وقد ذكر أحد علماء الحشرات أنه رأى مدينة هائلة للنمل في " بنسلفانيا " بلغت مساحتها خمسين فداناً وكانت مكونة من ألف وستمائة عش ارتفاع معظمها قرابة ثلاثة أقدام، ومحيطها اثنا عشر قدما عند القاعدة، وهذا يعني أن حجم الهرم الأكبر والنظام المعماري في أعشاش النمل متنوع طبقاً لتنوع أجسام وعاداته، ويحصى العلماء منها أربعة طرز أو خمسة طرز رئيسية، والسائد هو الطرز الأفقية ذو التعاريج الكثيرة والدهاليز التي لا تنتهي والغالبية العظمى في أعشاش النمل توجد تحت الأرض، ويحتوي العش عادة على عدة طوابق، وربما يصل إلى عشرين طابقاً في جزئه الأعلى، وعلى عدد مماثل من الطوابق تحت سطح الأرض، ولكن طابق غرضه الخاص الذي تحدده أساسا درجة الحرارة، فالجزء الأكثر دفئاً في العش يحتفظ به خصيصاً لتربية الصغار .
ويواصل العلم الحديث كشف حقائق جديدة عن حياة النمل الاجتماعية المنظمة ومن مظاهر مجتمع النمل قيامه بمشروعات جماعية مثل إقامة الطرق الطويلة في مثابرة و أناة، وتحرص مجموعاته المختلفة على الالتقاء في صعيد واحد من آن لآخر، ولا تكتفي هذه المجموعات بالعمل نهاراً، بل تواصله ليلاً في الليالي القمرية، ولكنها تلزم مستعمراتها في الليالي المظلمة .
ولأعضاء مجتمع النمل طرق فريدة في جمع المواد الغذائية وتخزينها والمحافظة عليها، فإذا لم تستطيع النملة حمل ما جمعته في فمها كعادتها لكبر حجمه، حركته بأرجلها الخلفية ورفعه بذراعيها، ومن عاداتها أن تقضم البذور قبل تخزينها حتى لا تعود إلى الإنبات مرة أخرى، وتجزيء البذور الكبيرة كي يسهل عليها إدخالها في مستودعاتها وإذا ما ابتلت بفعل المطر أخرجتها إلى الهواء و الشمس لتجف، ولا يملك الإنسان أمام هذا السلوك الذكي للنمل إلا أن يسجد لله الخالق العليم الذي جعل النمل يدرك أن تكسير جنين الحبة وعزل البذرة عن الماء والرطوبة يجعلها لا تنبت ( يعطل إنباتها).
ويضيف العلم الحديث حقائق جديدة عن أبقار النمل وزراعتها، فقد ذكر أحد علماء التاريخ الطبيعي ( وهو رويال ديكنسون ) في كتابه " شخصية الحشرات " أنه ظل يدرس مدينة النمل حوالي عشرين عاماً في بقاع مختلفة من العالم فوجد نظاماً لا يمكن أن نراه في مدن البشر، وراقبه وهو يرعى أبقاره، وما هذه الأبقار إلا خنافس صغيرة رباها النمل في جوف الأرض زماناً طويلاً حتى فقدت في الظلام بصرها.
وإذا كان الإنسان قد سخر عددا محدودا من الحيوانات لمنافعه، فإن النمل قد سخر مئات الأجناس من حيوانات أدنى منه جنساً .
 ونذكر على سبيل المثال " بق النبات " تلك الحشرة الصغيرة التي تعيش على النبات ويصعب استئصالها لأن أجناسها كثيرة من النمل ترعاها، ولأن داخل المستعمرة لا يمكن أن تعيش النباتات، فإن النمل يرسل الرسل لتجمع له بيض هذا البق حيث تعنى به وترعاه حتى يفقس وتخرج صغاره، ومتى كبرت تدر سائلاً حلوا للبعض أن يسميه " العسل " ، ويقوم على حلبه جماعة من النمل لا عمل لها إلا حلب هذه الحشرات بمسها بقرونها، وتنتج هذه الحشرة 48 قطرة من العسل كل يوم، وهذا ما يزيد مائة ضعف عما تنتجه البقرة إذا قارنا حجم الحشرة بحجم البقرة .
ويقول العالم المذكور أنه وجد أن النمل زرع مساحة بلغت خمسة عشر متراً مربعاً من الأرض حيث قامت جماعة من النمل بحرثها على أحسن ما يقضى به علم الزراعة، فبعضها زرع الأرز، وجماعة أزالت الأعشاب، وغيرها قامت لحراسة الزراعة من الديدان .
ولما بلغت عيدان الأرز نموها وكان يرى صفاً من شغالة النمل لا ينقطع، يتجه إلى العيدان فيتسلقها إلى خب الأرز، فتنزع كل شغالة من النمل حبة، وتنزل بها سريعة إلى مخازن تحت الأرض ، وقد طلى العالم أفراد النمل بالألوان، فوجد أن الفريق الواحد من النمل يذهب دائما إلى العود الواحد حتى يفرغ ما عليه من الأرز. ولما فرغ الحصاد هطل المطر أياماً وما إن انقطع حتى أسرع العالم إلى مزرعة النمل ليتعرف أحواله فوجد البيوت تحت الأرض مزدحمة بالعمل . ووجد النملة تخرج من عشها تحمل حبة الأرز وتذهب إلى العراء في جانب مائل من الأرض معرض للشمس، وتضع حبتها لتجف من ماء المطر، وما إن انتصف النهار حتى كان الأرز قد جف وعاد الشغالة به إلى مخازنه تحت الأرض .
 ويذكر العلماء مثالاً آخر لنوع من النمل يسمى " أتا " إذا حفرت في مستعمرته على عمق أكثر من متر وجدت في حجرة خاصة كتلا متبلورة بنية اللون من مادة شبيهة بالإسفنج هي في الواقع عبارة عن أوراق متحللة لنوع معين من النبات يسمى " الكيريزويت " إذا دققت فيها النظر وجدت خيوطاً بيضاء رائعة من فطر " عش الغراب " الذي يعتبر الطعام الوحيد لهذا النوع من النمل الذي يعيش غالبيته في المناطق المدارية .
ولضمان العناية الفائقة لهذا الغذاء الحيوي توجد بصفة مستمرة في حجرة الزراعة مجموعة من الشغالات تستقبل أوراق شجرة " الكريزونت " وينظفها باعتناء، ثم تمضغها فتحيلها إلى عجينة مبللة باللعاب وتكورها على شكل كريات صغيرة لتضيفها إلى الحافة الخارجية للمزرعة بحيث تزداد مساحتها مع تقدم الزمن. ويقول العالم " جوزيف وودكراتش " أن شغال آخرين يقومون في نفس الوقت بالاحتفاظ بفطريات عش الغراب الناضجة. هذا بالإضافة إلى المجهود الخارق الذي تبذله فرقة ثالثة من الشغالة في تسلق شجرة " الكريزويت " ذات الخمسة أمتار طولاً لتنزع أوراقها وتحملها إلى الأرض، ثم إلى العش حيث تسلمها إلى أفراد الفرقة الأولى !! فمن ألهم هذا المخلوق الصغير تلك المعجزة التي يقوم بها (ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (102) سورة الأنعام .
وعن لغة النمل الخفية أثبتت أحدث الدراسات العلمية لكل نوع من أنواع الحيوانات رائحة خاصة به، وداخل النوع الواحد هناك روائح إضافية تعمل بمثابة بطاقة شخصية أو جواز سفر للتعريف بشخصية كل حيوان أو العائلات المختلفة، أو أفراد المستعمرات المختلفة .
ولم يكن عجيباً أن نجد أحد علماء التاريخ الطبيعي وهو رويال وكنسون  قد صنف كتاباً مهماً جعل عنوانه " شخصية الحشرات
والرائحة تعتبر لغة خفية أو رسالة صامتة تتكون مفرداتها من مواد كيماوية أطلق عليها العلماء اسم " فرمونات "، وتجدر الإشارة إلى أنه ليست كل الروائح " فرمونات" ، فالإنسان يتعرف على العديد من الروائح في الطعام مثلاً ولكنه لا يتخاطب أو يتفاهم من خلال هذه الروائح، ويقصر الباحثون استخدام كلمة " فرمون " على وصف الرسائل الكيماوية المتبادلة بين حيوان من السلالة نفسها. وعليه فقد توصف رائحة بأنها " فرمون " بالنسبة إلى حيوان معين، بينما تكون مجرد رائحة بالنسبة لحيوان آخر .
وإذا طبقنا هذا على عالم النمل نجد أن النمل يتميز برائحة خاصة تدل على العش الذي ينتمي إليه، والوظيفة التي تؤديها كل نملة في هذا العش .
وحينما تلتقي نملتان فإنهما تستخدمان قرون الاستشعار، وهي الأعضاء الخاصة بالشم، لتعرف الواحدة الأخرى .
وقد وجد أنه إذا دخلت نملة غريبة مستعمرة لا تنتمي إليها، فإن النمل في هذه المستعمرة يتعرفها من طريق رائحتها ويعدها عدواً، ثم يبدأ في الهجوم عليها، ومن الطريف أنه في إحدى التجارب المعملية وجد أن إزالة الرائحة الخاصة ببعض النمل التابع لعشيرة معينة ثم إضافة رائحة رائحة خاصة بنوع آخر عدو له، أدى إلى مهاجمته بأفراد من عشيرته نفسها .
وفي تجربة أخرى عم غمس نملة برائحة نملة ميتة ثم أعيدت إلى عشها، فلوحظ أن أقرانها يخرجونها من العش لكونها ميتة، وفي كل مرة تحاول فيها العودة يتم إخراجها ثانية على الرغم من أنها حية تتحرك و تقاوم . وحينما تمت إزالة رائحة الموت فقط تم السماح لهذه النملة بالبقاء في العش .
وحينما تعثر النملة الكشافة على مصدر للطعام فإنها تقوم على الفور بإفراز " الفرمون " اللازم من الغدد الموجودة في بطنها لتعليم المكان، ثم ترجع إلى العش، وفي طريق عودتها لا تنسى تعليم الطريق حتى يتعقبها زملاؤها، وفي الوقت نفسه يصيفون مزيداً من الإفراز لتسهيل الطريق أكثر فأكثر .
ومن العجيب أن النمل يقلل الإفراز عندما يتضاءل مصدر الطعام ويرسل عددا أقل من الأفراد إلى مصدر الطعام، وحينما ينضب هذا المصدر تماماً فإن آخر نملة، وهي عائدة إلى العش لا تترك أثراً على الإطلاق .
وهنالك العديد من التجارب التي يمكن إجراؤها عل دروب النمل هذه، فإذا أزلت جزءاً من هذا الأثر بفرشاة مثلاً، فإن النمل يبحث في المكان وقد أصابه الارتباك حتى يهتدي إلى الأثر ثانية، وإذا وضعت قطعة من الورق بين العش ومصدر الطعام فإن النمل يمشي فوقها واضعاً أثراً كيماوياً فوقها .
ولكن لفترة قصيرة، حيث إنه إذا لم يكن هناك طعام عند نهاية الأثر، فإن النمل يترك هذا الأثر، ويبدأ في البحث عن طعام من جديد.

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More